الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
شرح كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن السعدي
84682 مشاهدة
فضل الدعوة إلى الله

...............................................................................


ويدل أيضا على فضل الدعوة إلى الله؛ سيما إذا ترتب على ذلك الانتفاع والاهتداء والاقتداء؛ بأن تقبل أولئك الذين دعوتهم دعوتك وفرحوا بها وقبلوها واهتدوا بسببك، وفقهم الله وهداهم وأطاعوا أمر الله وعملوا الصالحات وتركوا السيئات؛ تابوا مما كانوا يعملونه؛ إن كانوا كفارا مشركين أو نصارى أو نحوهم، فتركوا دينهم وشركهم وكفرهم ودخلوا في الإسلام فأنت السبب فلك الأجر.
وإن كانوا مبتدعين بدعا عملية أو اعتقادية تخالف الدين أو تقدح بالتوحيد؛ فهداهم الله تعالى بسببك فلك مثل أجورهم وأنت على خير, وإن كانوا أهل معاصي ومخالفات وذنوب فاهتدوا بسبب دعوة هذا الداعي، وتركوا المعاصي وتابوا إلى الله تعالى، فإنه على خير، وله مثل أجورهم من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئا.
إذا أثاب الله تعالى هذا المهتدى فإنه أيضا يعطي الهادي مثل أجورهم, ما عملوا عملا إلا كان للذي تسبب في هدايتهم مثل هذا العمل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ جميع من اهتدوا بسببه له مثل أجورهم، وفضل الله تعالى واسع إذا صلى صلاة فله أجرها، ولك أيها الداعي مثلها، وإذا تصدق بصدقة فله أجر تلك الصدقة، ولك مثل ذلك الأجر، وإذا سبح تسبيحة فله أجرها تكتب له حسنة، ولك مثل ذلك، وكذلك بقية الأعمال يثيب الله تعالى الذين يدعون الناس، ويهتدي بسببهم من اهتدى, يثيبهم هذا الثواب الكثير، ويعطيهم هذا الأجر الكبير هذه فائدة هذه الدعوة.
ورد أيضا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- من دل على خير كان له مثل أجر فاعله أي وهو مع ذلك لا ينتقص أجر الفاعل، بل أجر الفاعل كامل وأجر الدال عليه كامل فضلا من الله تعالى، ولا شك أن هذا خير كثير.